ورد ذِكر الهوّارية ، التي كان الإغريق يسمونها 'هِرميا' ، لأول مرة في مصنّف الرحلة البحرية للمسمّى سيلاكس (القرنان الرابع والثالث قبل الميلاد). وقد نعتها هذا الأخير بـ ‘بوليس' أي مدينة واعتبرها من بين أقدم المرافئ /المحطات البحرية في شبه جزيرة الوطن القبلي.
وأورد المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس القيسراني (القرن السادس الميلادي) ، أن الرومان كانوا يسمّونها 'مركوريون' ، مشيرا إلى أنها تقع داخل أنف الجبل المعروف بـ' برومونتوريوم مركوريوس' على مسافة 280 غَلوة ( والغلوة مقدار رمية سهم، حوالي 158 م) من قرطاج وأنها كانت تحتضن معبدا للإله هرمس، هذا الإله الذي أُشتُقّ من اسمه اسم المدينة أي هرميا.
وقد ارتبط تاريخ هِرميا ارتباطًا وثيقًا بتاريخ مدينة قرطاج ، التي بُنيت معالمها بكتل الحجر المستخرجة من المحاجر الشهيرة التي أشار إليها كل من المؤرخ اليوناني ديدوروس الصقلي (القرن الأول قبل الميلاد) والجغرافي اليوناني سترابو (القرن الأول قبل الميلاد - القرن الأول الميلادي).
هذه المحاجر الشهيرة هي عبارة عن كهوف منحوتة يدويًا وتقع بالقرب من 'الغار الكبير'، شمال غرب مدينة الهوّارية، في الموضع الذي أنزل فيه أقاثوكليس ، طاغية سيراكوزا قوّاته في عام 310 قبل الميلاد.
وبالنظر إلى التقنية المتبعة في استغلال المحاجر، يمكن التعرف على مواضع الكهوف انطلاقا من سطح الأرض، حيث حُفرت فتحات مربعة . وتشكل كل فتحة فوهة بئر يؤدي إلى تجويف يتخذ شكل دورق، يزداد اتساعا وعمقا كلما تقدمت عملية اقتطاع الكتل الحجرية. ويتميز الحجر المستخرج من محاجر الهوارية، وهو من نوع الطفّ الكلسي المصدّف، بسهولة نقشه ونحته.
ويُرجح أن أجهزة رفع الكتل الحجرية كانت تُنصب فوق الكهوف الموجودة تحت الأرض، في مستوى فوهات آبار الاستخراج. وكانت الكتل الحجرية التي تُستخرج من المحاجر تُنقل عن طريق البحر،عندما تسمح بذلك العوامل الجوية الى ميناء قرطاج، الواقع على الطرف الآخر من خليج تونس ، على بعد حوالي 60 كم، بإتباع خط مستقيم.
وانطلاقا من القرن السابع قبل الميلادي ، زوّدت محاجر الهوّارية بالكتل الحجرية البناءات المقامة بقرطاج البونية ، وخاصة المدافن العائدة الى أوائل العهد البوني. وبالنظر إلى قابلية هذه الكتل الصخرية للتفتت، فقد كانت في معظم الأحيان تُكسى بالجصّ بغرض تدعيمها ومنحها ملمسا ناعما.
وتُعتبر محاجر الهوارية ( هرميا)، التي تواصلَ استغلالُها الى العصر الروماني، مثالا حيّا على تفاعل الإنسان بهذه الربوع مع بيئته الجغرافية لكتابة تاريخ قرطاج المجيد.