باعتباره يقع على تخوم المدينة القديمة، كان المدرّج يمثل المدخل الغربي لقرطاج. ويعد المدرج، إلى جانب السيرك وحمامات أنطونينوس، من أكبر المعالم العمومية بالعاصمة القرطاجية. وكان يحتضن أكثر العروض الفرجوية شعبية في شمال إفريقيا، وهي بالأساس العروض المخصصة لعرض وقنص الحيوانات (فيناسيونس)، ومعارك المصارعين ( قلادياتوروم مُنيرا) ، وبدرجة أقل ، تنفيذ أحكام الإعدام (دنّاسيونس آد باستياس).
وقد استخدمت في بناء أجزاء معينة من هذا المعلم تقنية نادرة جدًا في تونس في العصور القديمة (والتي تعرف بالترصيف الشبكي للحجارة). واستنادا لذلك بالأساس، أمكن تحديد تاريخ المرحلة الأولى من البناء بحوالي منتصف القرن الأول، في عهد السلالة اليولية القلاودية والسلالة الفلاوية. غير أن المدرّج، كما نعرفه اليوم - هو نتاج لمرحلة ثانية من البناء تمت بعد قرن من الزمان. وبعد أن فقد المعلم وظيفته الأصلية كفضاء مخصص للترفيه في حدود القرن السادس، استخدم لأغراض أخرى منها – احتمالا-الأغراض الدفاعية خلال العصور القديمة المتأخرة ثم السكنية حيث اتخذه السكان ملجأ.
ووفرت حملات التنقيب عن الآثار التي بادر بها الآباء البيض الفرصة لربط المدرّج بالديانة المسيحية. حيث أقام الكاردينال لافيجيري في عام 1893 عمودًا في الطرف الجنوبي من الحلبة وكنيسة صغيرة، بهدف إحياء ذكرى حدث كبير جدّ في فجر الديانة المسيحية في شمال إفريقيا في بداية القرن الثالث وتمثل في الحكم على خمسة مسيحيين من ثِبوربو مينوس بالإعدام عن طريق إطلاق الوحوش عليهم في ميدان المدرّج. والخمسة هم فِيليسيتا وِبربيتوا ورفاقهما.
ويستمد مدرج قرطاج روعته من ضخامة أبعاده (156 × 128 مترًا)، مما يجعله من بين أكبر أربعة مدرجات في الإمبراطورية الرومانية، ومن واجهته التي تتضمن ثلاثة طوابق من الأروقة ذات الزخرفة البديعة وفقًا لما أورده المؤرخون والجغرافيون العرب الذين زاروه في العصور الوسطى. وقد بلغت سعة المدرج 30 ألف متفرج عقِب أشغال التوسعة التي خضع لها المعلم في منتصف القرن الثاني الميلادي.
ومما يميز المعلم أيضا بعض الهياكل الأصلية التي تم العثور عليها أسفل منطقة الحلبة، وهي هياكل نادرا ما اكتشفت في مدرجات العالم الروماني المعروفة. وكانت الوظيفة الرئيسية لهذه الهياكل تحت الأرضية تتمثل في استخدام رافعات لتصعيد الحيوانات والمصارعين والديكورات في نقاط مختلفة من الحلبة أثناء العروض. ويقتصر وجود هذا الجزء تحت الأرضي على بضع مدرجات بتونس وهي مدرجات أوثينا (أوذنا) وثوبوربو مينوس(طبربة) وثيزدروس (الجم).