إنّ أبرز ما جادت به العمارة القيروانية آبدة الحضارة الإسلامية بالمغرب، جامع عقبة بن نافع الذي أسس سنة 50هـ /670م وكان محل تعهد من طرف الولاة والأمراء الأفارقة. فبعد أن سكّن حسان بن نعمان إفريقية وقضى على ثورة الكاهنة جدّد بناءه سنة84ه/703م.كما أن الجامع لم يكن آنذاك متسع الأرجاء، وقد تكون أبعاده الحالية هي التي انتهت إليها توسعة الوالي بشر بن صفوان في مطلع ق2ه/ق 9م.
ولما استتبّ الأمن بإفريقية أيّام المهلّبين وعمّرت القيروان ، قام يزيد بن حاتم بإعادة بناء جامعها بصورة جذريّة سنة 155هـ/771م، الا أنه يعود الفضل لزيادة الله بن الاغلب في رسم ملامحه وتخطيطه النهائي ( 221-226هـ/836-841م). وقد أصبح جامع القيروان المثال الذي نسجت على منواله الجوامع المغاربية والأندلسية قاطبة وهو يختزل أهم الرصيد المعماري والزخرفي الافريقي في ذلك العصر.
يتكوّن الجامع من مستطيل منحرف ومبنى في اتّجاه الطول إقتداء بالجوامع العراقيّة ويبلغ طوله حوالي 126موعرضه حوالي75م وتشتمل بيت الصلاة على سبعة عشر بلاطة وثمانية أساكيب وتستمد تخطيطها من الجوامع الأموية مع الاقتداء بمثال جامع الرسول بالمدينة. ويتولد عن التقاء البلاطة الوسطى وأسكوب المحراب قبة مربعة القاعدة مقامة من الحجارة المنحوتة وهي تعتبر من أجمل القباب ذات المحاريب في الفنّ الإسلامي . ويواصل بيت الصلاة الصحن الذي تحيط به الأروقة ذات العقود النصف دائرية المتجاوزة، من جوانبه الأربعة ويتوسّط رواق القبلة قبة البهو في حين يتوسط الجدار الشمالي منارة مقامة من الحجارة المصقولة وهي مربّعة القاعدة ويبلغ ارتفاعها 31،50م وضلعها10،67م وهي تتكوّن من ثلاثة طوابق وكانت المثال الذي اقتدت به العديد من المنارات الإفريقية عبر التّاريخ.
ويتميز الجامع بالمحافظة على أغلب أثاثه الأصلي الذي يرجع إلى فتراته الأولى، نذكرمن ذلك المنبر الخشبي (248هـ/862م) وهو أقدم المنابر الإسلامية التي سلمت من تقلّب الأزمان وهو مصنوع من خشب الساج ويشتمل على مايربو عن 300 لوحة تحمل زخارف نباتية وهندسية بديعة تعبّر عن تمازج التأثيرات البيزنطية والإيرانية وتوحّدها في العقيدة الإسلامية.
كما أنّ جامع القيروان يختص بسقوفه الخشبية المدهونة والمصقولة والتي ترجع إلى فترات تاريخية مختلفة تمتد على مايربو عن الألف سنة. وهي تنضاف إلى مقصورة المعزّ بن باديس الفريدة بشريطها الكتابي المورّق (حوالي 425هـ/1035م). وإنّ من بدائع هذا الجامع مربعات الخزف ذي البريق المعدني التي تحلّي واجهة المحراب( 248هـ/862م)وهي مجموعة فريدة من نوعها في الفن الإسلامي.